قاعات الطعام (Food Halls): ثورة جديدة في عالم المأكولات أم مجرد صيحة عابرة؟
- Emad Altayyar
- 9 سبتمبر
- 6 دقيقة قراءة

إعداد: عماد الطيار
تاريخ النشر: 9 سبتمبر 2025
مقدمة: مشهد متغير في قطاع المأكولات
يشهد قطاع المأكولات والمشروبات العالمي تحولاً جذرياً، مدفوعاً بتغير أذواق المستهلكين وتوقعاتهم. في قلب هذا التحول، يبرز مفهوم "قاعات الطعام" (Food Halls) كقوة ديناميكية تعيد تشكيل الطريقة التي نتناول بها الطعام ونتفاعل معها. لم تعد مجرد أماكن لتناول وجبة سريعة، بل أصبحت وجهات ثقافية واجتماعية بحد ذاتها، تقدم تجارب طعام غامرة ومتنوعة. في المقابل، تواجه "ساحات الطعام" (Food Courts) التقليدية، التي كانت لعقود من الزمن عنصراً أساسياً في مراكز التسوق، تحديات وجودية في ظل هذا المشهد المتغير.
هذا المقال التحقيقي، من منظور مستشار عقاري محترف، يغوص في أعماق هذه الظاهرة، ويحلل الفروقات الجوهرية بين قاعات الطعام وساحات الطعام التقليدية، ويستشرف مستقبلهما في السوق على المديين القصير والطويل. سنستعرض تاريخ كل منهما، ونحلل العوامل التي أدت إلى صعود قاعات الطعام، ونقدم رؤى حول من سيهيمن على هذا القطاع الحيوي في السنوات القادمة.
تعريف وتاريخ: من ساحات الطعام إلى قاعات الطعام
ساحات الطعام (Food Courts): عصر الراحة والسرعة

ظهرت ساحات الطعام التقليدية كجزء لا يتجزأ من ثقافة مراكز التسوق في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، مع ازدهار الضواحي ونمو الاستهلاك. كان الهدف الأساسي منها هو توفير خيارات طعام سريعة ومريحة للمتسوقين، مما يسمح لهم بإعادة شحن طاقتهم ومواصلة التسوق. أول ساحة طعام ناجحة تم افتتاحها في Paramus Park Mall في نيوجيرسي عام 1974 [4]، وكانت بمثابة نموذج أولي لآلاف الساحات التي انتشرت في جميع أنحاء العالم.
تتميز ساحات الطعام بتركيزها على سلاسل الوجبات السريعة العالمية والمحلية، مثل ماكدونالدز وكنتاكي وصب واي. التصميم عادة ما يكون عملياً، مع مقاعد مشتركة في منطقة مركزية، والهدف هو خدمة أكبر عدد ممكن من الناس في أسرع وقت ممكن. كانت هذه الساحات بمثابة "استراحة محارب" للمتسوقين، وليست وجهة مقصودة بحد ذاتها.
قاعات الطعام (Food Halls): تجربة طعام غامر

في المقابل، تمثل قاعات الطعام تطوراً نوعياً لمفهوم تناول الطعام الجماعي. ظهرت هذه القاعات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كجزء من حركة أوسع لإعادة إحياء المدن والمناطق الصناعية القديمة. تعتبر Eataly، التي افتتحت أول فرع لها في مصنع فيرموث سابق في تورينو بإيطاليا عام 2007، رائدة هذا المفهوم الحديث [1].
قاعات الطعام هي أكثر من مجرد مجموعة مطاعم؛ إنها وجهات طعام وتجارب ثقافية. تركز على المطاعم المحلية والمستقلة، وتقدم مجموعة واسعة من المأكولات الحرفية والمبتكرة من جميع أنحاء العالم. التصميم المعماري يلعب دوراً حيوياً، حيث تتميز هذه القاعات بمساحاتها المفتوحة، وتصميمها الأنيق، واستخدامها للمواد الطبيعية، مما يخلق أجواء اجتماعية جذابة تشجع الزوار على البقاء لفترات أطول.
الفروقات الجوهرية: ما وراء الطعام
لفهم مستقبل هذين النموذجين، يجب أن نحلل الفروقات الجوهرية بينهما، والتي تتجاوز مجرد نوعية الطعام المقدم.
قاعات الطعام (Food Halls) | ساحات الطعام (Food Courts) | الميزة |
|---|---|---|
وجهة طعام وتجربة ثقافية | خدمة ملحقة بمركز التسوق | المفهوم |
مناطق حضرية، مباني تاريخية، مشاريع تطوير عقاري | مراكز التسوق في الضواحي | الموقع |
مطاعم محلية، طهاة مستقلون، مفاهيم مبتكرة | سلاسل وجبات سريعة عالمية ومحلية | البائعون |
تصميم فريد، مساحات مفتوحة، تركيز على التجربة | تصميم موحد وعملي، تركيز على الكفاءة | التصميم |
اجتماعية، حيوية، تشجع على البقاء | سريعة، عملية، لتناول وجبة سريعة | |
جيل الألفية، الجيل Z، محبو الطعام، السياح | العائلات، المتسوقون، الباحثون عن وجبة سريعة | الجمهور |
متوسط إلى مرتفع | منخفض إلى متوسط | التسعير |
التجربة مقابل الراحة
يكمن الاختلاف الأساسي في أن قاعات الطعام تبيع "تجربة" متكاملة، بينما تبيع ساحات الطعام "الراحة". في قاعة الطعام، لا يقتصر الأمر على تناول الطعام، بل يشمل استكشاف مفاهيم طهي جديدة، والتفاعل مع الطهاة، والاستمتاع بالأجواء الاجتماعية. أما في ساحة الطعام، فالهدف هو الحصول على وجبة سريعة ومألوفة بأقل قدر من الجهد.
الأصالة مقابل التوحيد القياسي
تركز قاعات الطعام على الأصالة والتفرد، من خلال دعم الطهاة المحليين وتقديم أطباق فريدة لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر. في المقابل، تعتمد ساحات الطعام على التوحيد القياسي الذي تقدمه سلاسل الوجبات السريعة، مما يضمن نفس الجودة والمذاق في جميع فروعها حول العالم.
التحليل المستقبلي: من سيسيطر على السوق؟
على المدى القصير (1-3 سنوات)
على المدى القصير، من المتوقع أن تستمر قاعات الطعام في التوسع والانتشار، خاصة في المدن الكبرى والمناطق الحضرية التي تشهد نمواً سكانياً واقتصادياً. العوامل التي تدعم هذا النمو تشمل:
تزايد الطلب على التجارب الفريدة: يبحث المستهلكون، وخاصة جيل الألفية والجيل Z، عن تجارب طعام أصيلة وقابلة للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي.
نمو السياحة الحضرية: أصبحت قاعات الطعام معالم سياحية بحد ذاتها، تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.
جاذبية للمطورين العقاريين:تعتبر قاعات الطعام عنصراً جذاباً في مشاريع التطوير العقاري، حيث تزيد من قيمة العقارات المجاورة وتجذب المستأجرين.
في المقابل، ستواصل ساحات الطعام التقليدية مواجهة التحديات، خاصة مع تراجع أداء مراكز التسوق. ومع ذلك، لن تختفي تماماً، بل ستضطر إلى التكيف والتطور للبقاء في المنافسة. قد نشهد ظهور نماذج هجينة تجمع بين عناصر من كلا النموذجين.
على المدى الطويل (5-10 سنوات)
على المدى الطويل، من المرجح أن نشهد تقارباً بين النموذجين. قاعات الطعام ستواجه تحديات جديدة، مثل الحفاظ على الأصالة وتجنب التشبع في السوق. قد تضطر إلى التوسع في الضواحي والمناطق الأقل كثافة سكانية، مما قد يؤثر على نموذجها التشغيلي.
من ناحية أخرى، قد تتبنى ساحات الطعام بعض استراتيجيات قاعات الطعام للبقاء على قيد الحياة، مثل:
إدخال المزيد من المطاعم المحلية والمفاهيم المبتكرة.
تحسين التصميم والأجواء لخلق تجربة أكثر جاذبية.
تنظيم الفعاليات والأنشطة لجذب الزوار.
السيطرة على السوق على المدى الطويل لن تكون لأحد النموذجين على حساب الآخر، بل ستكون للنماذج الأكثر قدرة على التكيف والابتكار وتلبية توقعات المستهلكين المتغيرة. من المرجح أن نشهد ظهور جيل جديد من وجهات الطعام التي تجمع بين أفضل ما في العالمين: راحة ساحات الطعام وتجربة قاعات الطعام.
قاعات الطعام في الخليج والسعودية: تبني المفهوم العالمي بنكهة محلية
لم تكن منطقة الخليج والمملكة العربية السعودية بمنأى عن هذا التحول العالمي. فقد شهدت المنطقة في السنوات الأخيرة افتتاح العديد من قاعات الطعام التي لاقت نجاحاً كبيراً، مما يعكس شهية السوق المحلية لهذا النوع من التجارب.
المملكة العربية السعودية: تجارب طعام اجتماعية فاخرة
في قلب الرياض، يبرز "المملكة سوشل داينينج" (Al Mamlaka Social Dining) كنموذج رائد في هذا المجال. يقع هذا المشروع في برج المملكة، ويقدم 21 تجربة طعام متنوعة في مساحة تزيد عن 2,400 متر مربع [9]. منذ افتتاحه في أغسطس 2023، استقطب المشروع ما متوسطه 7,000 زائر يومياً، مما يؤكد على نجاح المفهوم في السوق السعودي. كما تستعد الرياض لاستقبال "أركيد فود هول" (Arcade Food Hall) القادم من لندن، والذي سيفتتح في "سوليتير مول"، ليضيف المزيد من الزخم لهذا القطاع.
الإمارات العربية المتحدة: دبي كمركز إقليمي لقاعات الطعام
تعتبر دبي مركزاً إقليمياً لقاعات الطعام، مع وجود العديد من المشاريع الناجحة. "تايم آوت ماركت دبي" (Time Out Market Dubai) في سوق البحار يقدم 17 مطبخاً مختلفاً مع إطلالة خلابة على نافورة دبي [10]. كما تم افتتاح "ماركت آيلاند" (Market Island) في دبي فستيفال سيتي مول في أغسطس 2024، كأكبر قاعة طعام في الشرق الأوسط، بسعة تزيد عن 3,500 مقعد وأكثر من 50 منفذ طعام [12]. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من المشاريع الأخرى مثل "ديباتشيكا فود هول" (Depachika Food Hall) و"نيبرهود فود هول" (Neighbourhood Food Hall)، ومشروع "تمبكتو ماركت" (Timbuktu Market) القادم.
الكويت: مزيج من التقليد والحداثة
في الكويت، نجد أمثلة مثل "مارينا كريسنت" (Marina Crescent) الذي يجمع بين تجربة الطعام والمناظر البحرية، و"سوق شرق" الذي يقدم تجربة تسوق وطعام متكاملة. هذه المشاريع تعكس قدرة السوق الكويتي على تبني المفاهيم الحديثة مع الحفاظ على الطابع المحلي.
هذه الأمثلة الناجحة في المنطقة تؤكد أن قاعات الطعام ليست مجرد صيحة عابرة، بل هي استجابة حقيقية لتطور أذواق المستهلكين ورغبتهم في الحصول على تجارب طعام أكثر تنوعاً وأصالة. من المتوقع أن يشهد هذا القطاع المزيد من النمو والازدهار في السنوات القادمة، مع ظهور المزيد من المشاريع المبتكرة التي تلبي احتياجات السوق المحلي.
خاتمة: مستقبل الطعام يكمن في التجربة
في الختام، يمكن القول أن قاعات الطعام تمثل تطوراً طبيعياً وضرورياً في قطاع المأكولات والمشروبات. إنها ليست مجرد بديل لساحات الطعام التقليدية، بل هي نموذج جديد يعكس تغيراً أعمق في علاقتنا بالطعام. لم يعد الطعام مجرد وقود لأجسادنا، بل أصبح وسيلة للتعبير عن هويتنا، والتواصل مع الآخرين، واستكشاف ثقافات جديدة.
من منظور استشاري عقاري، تمثل قاعات الطعام فرصة استثمارية واعدة، ليس فقط كمشاريع مستقلة، بل كعناصر حيوية في مشاريع التطوير العقاري متعددة الاستخدامات. إنها تساهم في خلق وجهات نابضة بالحياة، وتزيد من جاذبية المناطق التي تقع فيها، وتحقق عوائد مالية واجتماعية مجزية.
أما بالنسبة لساحات الطعام التقليدية، فإن المستقبل يحمل لها تحديات كبيرة، ولكنه يفتح أيضاً أبواباً للابتكار والتطور. البقاء في السوق سيتطلب منها أن تتعلم من نجاح قاعات الطعام، وأن تعيد تعريف دورها في المشهد التجاري الحديث.
في النهاية، المعركة بين قاعات الطعام وساحات الطعام ليست معركة صفرية. بل هي دعوة مفتوحة لجميع الفاعلين في قطاع المأكولات والمشروبات لرفع مستوى الجودة، والتركيز على التجربة، وتقديم قيمة حقيقية للمستهلكين. الفائز في هذه المنافسة هو المستهلك الذي سيحظى بخيارات طعام أكثر تنوعاً وجودة وإثارة من أي وقت مضى.
المصادر
1. WTTW - The Origins of the Food Hall and Its Booming Popularity (2019)
2. CivicScience - Who Is Driving America's Food Hall Craze in 2024? (2024)
3. LinkedIn - The Evolution of Food Halls: A 2024 Perspective (2024)
4. Mental Floss - A History of the Food Court (2016)
5. Business Insider - Photos of mall food courts through the years (2020)
6. Forbes - Mall Food Courts Are Dying (2022)
7. IBISWorld - Food Courts & Halls in the US Market Research Report
8. Eimer Design - THE STATE OF FOOD HALLS 2023
9. Al Mamlaka Social Dining Official Website
10. The Dyorama - The Rise of Food Halls in MENA (2025)
11. Wanderlog - Best food halls in Riyadh
12. Dubai Festival City Mall - Market Island



تعليقات